متى تفقد المهرجانات الفنية شرعيتها؟-يونس إمغران
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

متى تفقد المهرجانات الفنية شرعيتها؟

  يونس إمغران    

*** هل الاعتراض على مهرجان موسيقي و غنائي معين يعد موقفا من الفن ؟
يجري حاليا في الأوساط الوطنية حديث قوي عن أناس يحاربون الفن، و يطمعون في جر المغرب النهضوي إلى عصور الحجر و التشدد و السلفية المنغلقة.. لكن بالمقابل يجري حديث مواز عن أناس آخرين يحاربون الحياء، و يدعون إلى الفحشاء و المنكر، و يحلمون بوأد الشرف المغربي بإطلاق العنان للإباحية و السكر و المجون.. و بين هذين الطرفين تغيب مجموعة من الحقائق، و تطفو على السطح السياسي عناوين كبيرة عن الحق و الباطل، و عن الخير و الشر، و عن الفساد و الإصلاح، و عن التخلف و التقدم، الأمر الذي يصعب معه الاختيار أو الانتماء.
إننا نعتقد بيقين، أن الفن هو إحساس عميق بالحياة، و أن الحياة فن يحتشد في عمقه كل عناصر المتعة و الفرجة و الروعة، و أن لا أحد من الطرفين يعارض مهرجانات أو ملتقيات تصدح فيها الأصوات العذبة، و الموسيقى الحلوة، و الدندنة الأصيلة، و التجاوب الروحي العفوي مع أشجان الناي و الدف و الطبل.. لكن أحد الطرفين يخفي حقيقة موقفه، و يبطن ما لا يظهره في تصريحاته الصحفية، و مقالاته السياسية، و بياناته الحزبية.
إن أحد الطرفين يدعي أن معارضة المهرجانات الموسيقية هو دليل على الغلو في الكفر الحداثي، و نكوص عن الإيمان بالديموقراطية، و الحريات العامة، و انقلاب حقير على مسار الإصلاح الذي قطعته البلاد بالمال و الدماء و النفائس.. لكن هذا الطرف يتجاهل – عن عمد و سوء طوية - أن بعض هذه المهرجانات تقام بغلاف مالي تنأى عن حمله الجبال، و أن ضيوفه من الفنانين الأجانب على وجه الخصوص، يتقاضون مقابل ما يؤدونه من مقاطع غنائية لا تتجاوز ربع ساعة من الزمن، ملايير من الدراهم المغربية ( تدفع لهم بالعملة الصعبة )، في وقت لا يجد فيه شباب الربيع المغربي ما يسدون به رمقهم، و يغطون به سوءاتهم.. بل إن بعض الجماعات المحلية تقيم من ميزانيتها الخالصة، مهرجانات فنية صاخبة بأموال طائلة و خيالية، في وقت تفتقد فيه جغرافيتها الترابية لأبسط شروط البنية التحتية.. فطرقها محفرة و غبارية، و مرافقها الصحية و الثقافية و الرياضية و الاجتماعية منعدمة، و شبابها عاطل متشرد في الأزقة و الشوارع.. لكنها بالرغم من ذلك، فإنها تحرص على إقامة هذا المهرجان كل سنة، دون أن تخجل من نفسها، أو تخضع للمراقبة من طرف المجلس الأعلى للحسابات الذي يبدو أنه لا يؤمن بتحرير تقارير تدين مثل هذا الاختلاس المقنع، و يدفع بها – بالتالي - إلى القضاء للمتابعة و المحاسبة.
أحد السفهاء ( ينتسب لهذا الطرف الحداثوي و يدير من الصباح إلى الصباح إمبراطورية من الورق ) اعتبر في مقال جاهل نشره بإحدى الزوايا المظلمة من جريدته، أن استنزاف الأموال الطائلة في مهرجانات - لا هدف لها إطلاقا - يعد أمرا عاديا بالمغرب، متجاهلا أن هذه الأموال لو وظفت في اتجاه الاستثمار و خلق مناصب الشغل، لأقامت مهرجانا احتفاليا حقيقيا في كل بيت مغربي، و لأسعدت نفوسا أنهكها الفقر و المرض، و لأعطت للمغرب ربيعه الحقيقي الذي ننتظره.
أما الطرف الآخر الذي اعتبر أن المهرجانات المقامة في بلادنا تنشر الرذيلة و الفضيحة، فقد كان المطلوب منه أن يطرح لمواطنيه بدائل فنية تصقل ذوقهم الفني، و تمكنهم من امتلاك آليات الاستمتاع بالفن.. و لم يكن مطلوبا منه قطعا، أن يعارض فعاليات فنية مجانا، و بصورة تعبر عن خواء روحي لا يستشعر عمق الفن في أمواج الحياة الطافحة بالحركة و اللون و الشكل.
بيد أن الفن يفقد شرعيته، كلما كان المواطن فاقدا لحقه في المأكل و المشرب و المسكن.. و المهرجانات التي تقصي الفنان المغربي و تكافئه بالفتات، لا خير فيها، و لا جدوى من استمرارها، لأنها قد تتحول مع مرور السنوات إلى قنبلة اجتماعية لا تبقي و لا تذر.



 
  يونس إمغران (2012-03-16)
Partager

تعليقات:
محمد شداد الحراق /المحمدية- المغرب 2012-04-05
هنيئا لك أخي يونس على هذه الموضوعية في تناول هذه القضية. فقد ابتلينا في هذا الزمن بأصحاب الرأى المتطرف سواء ممن يروجون لكل سخافة و ابتذال و ميوعة باسم الفن و الفن منهم بريء .أو ممن ينظرون إلى الحياة من كوة ضيقة لاتتسع للآخر ،فيرفضون كل شيء باسم القيم.هناك أولويات ، و للمجتمع حاجيات و ضروريات ،ولا يمكن أبدا تخدير أجهزة الإحساس بالغبن الاجتماعي و التهميش و الفقر والحرمان بمسكنات فنية متعالية على قضايا الإنسان و مشاكله اليومية. شكرا يونس، و دمت متميزا.
البريد الإلكتروني : harrak212@yahoo.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

متى تفقد المهرجانات الفنية شرعيتها؟-يونس إمغران

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia